يتم اليوم استخدام الخلايا الجذعية السرية (الماخوذة من دم الحبل السري عند الولادة) كاجراء طبي متعارف عليه في عمليات زرع النخاع العظمي، ومن اجل معالجة نحو 60 نوعا مختلفا من امراض جهاز المناعة والدم. في اعقاب الاعتراف باهمية هذه الخلايا الجذعية، تمت اقامة العشرات من “بنوك الدم السري” في مختلف انحاء العالم. الهدف من وراء اقامة هذه البنوك هو حفظ هذا الدم لسنوات طويلة قادمة واستخدامه عند الحاجة له.
وعلى الرغم من ان الخلايا الجذعية الماخودة من الدم السري تستخدم في معالجة الكثير من الامراض منذ عدة عقود، الا ان الجمهور الواسع في مختلف دول العالم لم يتعرف على اهمية حفظ الدم السري في بنوك خاصة سوى في السنوات القليلة الاخيرة.
اننا نشهد المزيد والكثير من الاكتشافات العلمية الجديدة المتعلقة بالاستخدامات والعلاجات الجديدة الممكنة لدم الحبل السري في كل يوم تقريبا. الاستخدام الاساسي والمركزي لهذه الخلايا هو زرع النخاع العظمي، كجزء من معالجة امراض الدم، سواء كانت خبيثة وسرطانية او حتى وراثية. فعلى سبيل المثال، تستطيع الخلايا الجذعية السرية شفاء مرضى سرطان الدم (اللوكيميا – Leukemia)، متلازمة فقر الدم فانوكوني (Fanconi Anemia) وغيرها. كذلك، فان الاعتقاد السائد هو ان المستقبل القريب سيشهد مساهمة هذه الخلايا في معالجة امراض اخرى مثل السكري، الزهايمر (Alzheimer) والباركنسون (Parkinson)، وحتى تجديد وترميم الخلايا المصابة والمتضررة.
تكشف الابحاث الجديدة عن ان الخلايا الجذعية الماخوذة من دم الحبل السري من الممكن ان تتطور مخبريا (In Vitro) لعدة انواع من الخلايا النسيجية. من هنا، فاننا نستطيع ان نتوقع ان يتم – في المستقبل – استخدام هذه الخلايا لاهداف علاجية اخرى مثل: ترميم وانشاء الانسجة التي تعرضت للاصابات او الامراض (Tissue Regeneration)، او كبديل (جزئي او كامل) لزرع الاعضاء، مثل: خلايا القلب، الخلايا العصبية، خلايا الكبد وخلايا البنكرياس المنتجة للانسولين.
قدرة الخلايا الجذعية على التحول (التمايز) الى خلايا نسيجية مختلفة في الجسم
تعتبر خلايا دم الحبل السري مصدرا ممتازا للخلايا الجذعية، نظرا لمواصفاتها الخاصة والمميزة. فالحديث يدور عن خلايا اولية، ذات قدرة كبيرة على التجدد والتصنيف (التمايز) لمختلف انواع الانسجة في الجسم. بالامكان حفظ الخلايا الجذعية الماخوذة من الحبل السري لفترات طويلة جدا، بحيث تكون متوفرة وجاهزة للاستخادم – عند الحاجة – بشكل فوري. يوفر استخدام هذه الخلايا عملية البحث عن متبرع والكثير من الاجراءات الاخرى المطلوبة في حالات الحاجة الى التبرع بالخلايا الجذعية من متبرع بالغ.
كذلك، وعند استخدام هذه الخلايا بشكل ذاتي (اي زرعها للشخص الذي اخذت منه) فانها تكون ملائمة له بنسبة 100%. هكذا يكون بالامكان التغلب على مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع (الغريب)، وهو الامر الذي من الممكن ان يحصل كثيرا عند زرع عضو ماخوذ من شخص غريب.
اليوم، تستخدم الخلايا الجذعية السرية في الاجراءات الطبية المتعلقة بزرع النخاع العظمي، وفي معالجة نحو 60 مرضا مختلفا من امراض الدم والجهاز المناعي. في الولايات المتحدة، تصل نسبة زرع الخلايا الجذعية الى نحو 40% من مجمل عمليات الزرع لدى الاطفال، والى نحو 20% من مجمل عمليات الزرع لدى البالغين. وفي اليابان، تبلغ نسبة عمليات زرع الخلايا الجذعية اكثر من 50%. الخلايا الجذعية هي “اخر صرعة” واحدث ابتكارات واكتشافات عالم التكنولوجيا البيولوجية (Biotechnology)، وقد قدر المختصون حجم العلاجات بواسطة زرع الخلايا الجذعية باكثر من 21 مليار دولار خلال العام 2007 وحده، حيث كان ثلث هذه العمليات من عمليات زرع الخلايا الجذعية الماخوذة من الحبل السري.
اليوم، نحن نشهد ثورة طبية حقيقة. فاذا كان رمي المشيمة والحبل السري بعد الولادة مباشرة امرا متبعا في الماضي، يجري اليوم تجميع دم الحبل السري الذي يتبقى فيهما مع انتهاء عملية الولادة، ويتم ارساله الى “بنك الدم السري”. يخضع هذا الدم لسلسلة من الفحوص والمعالجات، ويتم تجميده في درجة حرارة تصل الى 196 درجة مئوية تحت الصفر. وهكذا، اذا احتاج “المولود” في اي مرحلة من مراحل حياته لهذا الدم السري، تتم اذابة هذه الخلايا الجذعية واستخدامها لانقاذ حياته، او حياة شخص اخر من العائلة (صلة قرابة من الدرجة الاولى).
في اعقاب ادراك الجمهور لاهمية استخدام الخلايا الجذعية السرية، تمت خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ العام 1988 الذي شهد اول عملية زرع للخلايا الجذعية، اقامة العشرات من مجمعات (بنوك) دم الحبل السري الخاصة والحكومية في الكثير من دول العالم. واليوم يتم الاحتفاظ بملايين الوجبات من دم الحبل السري في اكثر من 35 بنكا للدم السري في مختلف دول العالم.
محتوى عن : ويب طب