تثير الأرقام المكتشفة للحالات المعلنة لسرقة أو تبديل الأطفال حديثي الولادة الذعر، ولكن ما يزيد هذا الشعور هو احتمالية أن يكون هنالك الكثير من الحالات المشابهة التي لم يتم معرفتها، وتسبب اكتشاف العديد من هذه الحالات خلال حقبة الدكتاتور الأسباني فرانكو (1939-1975) والسنوات الأولى من فترة التحول إلى الديمقراطية بشعور المتضررين بأنهم في حالة حرب، حيث يخوضون حاليا نزاعا من نوع آخر لكي لا يتم حفظ قضاياهم وتتوقف الحكومة عن مساعدتهم، على غرار ما حدث مع غيرها من جرائم الديكتاتورية.
وسجلت حالات مشابهة في الأرجنتين وتشيلي خلال حقبة الديكتاتورية العسكرية، وفي الفترة الأولى بين سنوات (1976-1983) تم تشكيل لجان مختصة للبحث عنها، بينما تشير الدراسات إلى أن بعض دول أمريكا اللاتينية النامية تشهد سرقة وتبديل الأطفال حديثي الولادة بصورة يومية، سواء كان لأهداف مالية أو بسبب الإهمال.
وأمام هذا قررت شركة (أي سي إن) للتكنولوجيا إنشاء منظومة تعريف ومتابعة للأطفال حديثي الولادة بشكل يجعل سرقتهم أو تبديلهم أمرا مستحيلا، كما يؤكد رئيسها كارلوس إريروس في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، حيث أشار إلى أن الهدف من وراء فكرته في البداية كان تجربته الشخصية عقب ولادة ابنته الأولى، حيث يقص أنه حينما عاد إلى المستشفى ورأي طفلته لاحظ أنها بملابس غير التي ألبسها إياها، في حين كان سوار التعريف في ساق أخرى، وبعدها قرر التفرغ لهذا المجال الذي يعمل فيه منذ 11 عاما.
ووفقا لإريروس فإن حالات الإهمال أكثر شيوعا مما هو متوقع حيث يقول إن “المستشفيات والإدارات تتحفظ كثيرا فيما يتعلق بإعلان الأرقام، ولكن كشفت رسالة خاصة بأحد المستشفيات الإسبانية وجود 24 خطأ خلال ستة شهور فقط، ولكن السؤال الحقيقي الذي يتبادر إلى أذهاننا هو ما هو عدد الحالات التي لم يتم رصدها. النتائج التي تترتب عن مثل هذه الأمر غير مقبولة بالمرة، بمعنى أخر أن يفرض شخص ما على آخر عيش حياة أخرى لا تخصه مع عائلة أخرى يعتبر انتهاكا لكل الحقوق والأعراف”.ويؤكد المسئول خطورة هذا الأمر أيضا من الناحية الصحية أو الطبية، ضاربا المثال بحاجة هذا الطفل في المستقبل بعد البلوغ لعملية زراعة عضو ما، دون أن يدري عدم وجود قابلية في الجينات الوراثية الحقيقية.وكانت إسبانيا من أوائل الدول التي رصدت المشكلة وألغت في 1999 قانون يعطي الأم حق إخفاء هويتها عن ابنها، في الوقت الذي تزايدت خلاله حساسية هذا الموضوع بسبب وجود أبعاد جديدة نتجت عن اكتشاف حالات جديدة من سرقة وتبديل الأطفال الرضع في الفترة بين 1960 و1980
وأوضح إريروس أن الطلب على المنظومة الجديدة التي ابتكرها لا يقتصر على إسبانيا فقط، بل يمتد لدول أمريكا اللاتينية والخليج، مشيرا إلى أنه “في بعض الدول اللاتينية حالات سرقة أو تبديل الأطفال ليسا نتيجة لإهمال المسئولين أو الخطأ البشري، بل إنها أيضا تحمل وراءها دوافع اقتصادية أو أوضاع الفقر المدقع التي تدفع البعض إلى بيع أبنائهم.
وقررت الأرجنتين وتشيلي الانضمام لهذه المنظومة، في الوقت الذي تدرس خلاله البرازيل الأمر، بل وأن حكومة سانتياجو تدرس استخدامه في تسهيل متابعة عمال المناجم عقب الحادث الشهير الذي احتجز خلاله 33 عاملا داخل منجم سان خوسيه بصحراء اتاكاما في 2010، لمدة 70 يوما.
وتعتمد إسبانيا الآن على السوار في تعريف الأطفال وهي التقنية التي لا تخلو من أخطاء، حيث أن الاسم على السوار إما يكون مطبوعا أو مكتوبا باليد، هذا فضلا عن أخذ بصمات الأم والطفل بالحبر، ولكن أيضا توجد عيوب حيث أن بصمات الطفل غالبا ما تكون غير واضحة.
وتعتمد المنظومة الجديدة للمعهد على دمج تكنولوجيا القياسات الحيوية مع الترددات اللاسلكية حيث أن الأولى تسمح بأخذ بصمات الطفل حديث الولادة بشكل لا يسمح بأي خطأ في حين تساعد الثانية على متابعة الطفل ومعرفة مكانه هو ووالدته والممرضات اللواتي يقدمن لهما العناية.
وتعتمد المنظومة على جهاز به قارىء إلكتروني يسمح بأخذ بصمات الطفل ووالدته في مكان الولادة، ويتم تركيب سوار إلكتروني لكل منهما تخزن عليه هذه البيانات، وكانت القياسات الحيوية تستخدم سابقا في التعرف على البالغين، ولكن هذه أول مرة يتم استخدامها في هذا المجال، فضلا عن كون هذه اول مرة تستخدم فيها تكنولوجيا القياسات الحيوية مع الترددات اللاسلكية.
ويقول إريروس “المتابعة عن طريق الترددات اللاسلكية يتم تطبيقها في أي محيط ويستخدم غالبا في مراقبة الأشخاص والأغراض الهامة أو متابعتها”، مشيرا أيضا إلى أن هذه التكنولوجيا تستخدم مع المرضى كبار السن لتحديد مواقعهم في أي وقت.
وعن فائدة هذه التقنية أكمل المسئول أنه “على سبيل المثال إذا ما تم إزالة السوار من الطفل حديث الولادة، فإن النظام يسمح بغلق الأبواب ووقف عمل المصاعد وبالتالي وضع المستشفى كله في حالة تأهب أمام أي حالة سرقة أو تبادل محتملة للأطفال”.
وعلى الرغم من كل فوائد هذا النظام إلا أن تطبيقه ليس سهلا للغاية وبالأخص بسبب الناحية الاقتصادية في ظل الأزمة الحالية، ولكن صاحب الفكرة يقول “يجب أن تتغير المفاهيم ومعرفة أن التأكد من هوية الأطفال حديثي الولادة ومراقبة وجودهم داخل المستشفى يحمل نفس أهمية استثمار الأموال في شراء جهاز لتشخيص الأمراض”.
واختتم إريروس حواره مع (د.ب.أ) بقوله “صحيح أن هذا النظام لا يستطيع علاج جذور المشكلة ولكنه يتجنب أخطاء تحمل تبعات خطيرة، مثل ضياع هوية الإنسان